بعد تأخر الرد الإيراني وعموم فصائل محور المقاومة حوالي أسبوعين على اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية ورئيس أركان المقاومة الإسلامية في لبنان فؤاد شكر ، ذهب بعض المغرضين ومن المدعين بالخبرة العسكرية ، أن الوعد الصادق الإيراني لن يتكرر وأن بقية أطراف محور المقاومة خارج غزة وفلسطين ( حزب الله وحركة أنصار الله والمقاومة العراقية) ستستمر في عملياتها العسكرية النوعية ، لكن دون رفع مستواها باتجاه توجيه ضربات كبيرة كماً ونوعاً، تتجاوز الوتيرة السابقة .
وذهب بعض المغرضين إلى الاستشهاد بما ورد في الصحف الغربية نقلاً عن مسؤولين إيرانيين- دون ذكر أسماءهم - بأن طهران لن ترد ، إذا التزمت حكومة العدو بصفقة تفضي إلى تلبية شروط ومطالب حماس وفصائل المقاومة ، ممثلةً بوقف العدوان على غزة ( وقف إطلاق نار دائم) وانسحاب قوات الاحتلال من عموم قطاع غزة ، وإعادة إعمار القطاع وصفقة عادلة لتبادل الأسرى تضمن تحرير كل أو معظم الأسرى الفلسطينيين ، وخاصةً ذوي الأحكام العالية ، مقابل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى المقاومة.
وقائع الأمور تكذب ما ذهبت إليه الصحف الغربية، بشأن مقايضة إيران لموضوع الرد العسكري بإنجاز الصفقة وفقاً لشروط المقاومة ومحدداتها ، وتكذب كذلك المزاعم التي تدعي أن بقية أطرف محور المقاومة، ستتراجع عن تهديداتها بتوجيه ضربات نوعية تتجاوز حيفا وما بعد حيفا وإيلات وما بعد إيلات ، وفق بنك الأهداف الغني الذي تمتلكه هذه الأطراف وخاصة تلك التي جاء بها هدهد حزب الله في رحلاته المتتالية مؤخراً، وقبل ذلك ما جاءت به طائرة حزب الله أيوب المسيرة ، في فبراير (شباط ) 2013 ، التي حلقت لأكثر من (400) كيلومتر في أجواء فلسطين المحتلة ، وبعثت صوراً لمختلف القواعد العسكرية والاستراتيجية الصهيونية ، قبل أن يتم رصدها من العدو وإسقاطها في منطقة الخليل.
بخوص إيران نشير إلى أن إيران صاحبة مقولة الصبر الإستراتيجي ، تجاوزت هذه المقولة في وعدها الصادق في 14 نيسان ( أبريل) الماضي ، رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وستتجاوزها مجدداً في " وعد صادق" أكثر حسماً رداً على اغتيال القائد إسماعيل هنية على أراضيها ، وتأخرها في الرد لا يعني تراجعها عنه ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن حسابات الدولة تختلف بالضرورة عن حسابات هذا الطرف المقاوم أو ذاك .
فالقيادة الإيرانية أعلنت بوضوح على لسان المرشد " آية الله علي خامنئي" أنها سترد على عملية اغتيال هنية وبشكل نوعي ، وتبعه في ذلك قائد حرس الثورة ورئيس الأركان ووزير الاستخبارات ، والقائم بأعمال وزارة الخارجية في حكومة التيار الإصلاحي " علي باقري" لكن هذا الرد في التقدير الموضوعي سيكون كبيراً وفاعلاً وحاسماً في ضرب الأهداف العسكرية والاستراتيجية في الكيان الصهيوني ، يخرس الأصوات المشككة بالضربة وطبيعتها لكن إيران لن تنجر إلى حرب إقليمية شاملة في هذه المرحلة، وفق ما خطط له مجرم الحرب نتنياهو في استهدافه للقائدين هنية وشكر ، وفق حسابات ومحددات دقيقة تقتضيها المرحلة ومصلحة الدولة، وإن كانت الأمور قد تصل إلى مستوى الحرب المفتوحة التي لا يمكن التحكم في مجرياتها ، من حيث الرد والرد المضاد .
ومن هذه المحددات والعوامل التي تجعل الرد الإيراني كبيراً وحاسماً ومدروساً بحيث لا يصل إلى مستوى الحرب الإقليمية الشاملة ، ما يلي :
أولاً : أن توجيه الضربة الكبرى والحاسمة للكيان الصهيوني ، رداً على اغتيال هنية في طهران ، ومس العدو الصهيوني بشرف إيران وسيادتها ، يقتضي الإعداد لهذه الضربة بشكل مدروس بحيث يمرغ الردع الصهيوني بالوحل ، ويصيب في مقتل محاولة نتنياهو البائسة استعادة جزءاً من ردعه المهدور من قبل المقاومة الإعجازية في قطاع غزة ومقاومة حزب الله التي أذلت الكيان الصهيوني ، ومقاومة حركة أنصار الله والمقاومة العراقية.
ثانياً : أن القيادة الإيرانية في قرار الرد المدروس – الذي لا يصل لمستوى الحرب الشاملة – تأخذ في نظر الاعتبار مجموعة مسائل أبرزها :
1-برنامجها النووي الذي يشكل أولوية قصوى لإيران ، وهذا البرنامج لم يكتمل بعد ، وفي حال اكتماله يكون الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وعموم دول الغرب الرأسمالي أمام تحد كبير ، ممثلاً بتحول إيران إلى دولة نووية، ليس على صعيد إنتاج قنبلة نووية فحسب ، بل على صعيد توظيف الطاقة النووية في كافة المجالات الصحية والتقنية الأخرى.
2- الوضع الاقتصادي في إيران لم يتعافى بعد جراء الحصار الأمريكي والغربي على إيران منذ (45) عاماً ، وإن كانت قد تجاوزته نسبياً بعلاقاتها الاقتصادية المتطورة مع كل من روسيا والصين، وتوقيعها معهما اتفاقيات ذات طابع استراتيجي ، وبدخولها مؤخراً في منظومة " بريكس".
3- الجبهة الداخلية الإيرانية : فإيران تعطي أولوية قصوى لتحصين جبهتها الداخلية ، في مواجهة عملاء الموساد والولايات المتحدة ، الذين نجحوا في اغتيال عدد من العلماء النوويين البارزين ، وخاصةً بعد أن ارتدت منظمة " مجاهدي خلق" وأصبحت أداة طيعة في يد الولايات المتحدة ، يضاف إلى ما تقدم فإن إيران التي تملك حدوداً يتجاوز طولها 4000 كيلو متر مع دول ومناطق باتت مرتعاً لجهازي الاستخبارات الصهيوني والأمريكي ، مثل أذربيجان والإمارات وكردستان العراق .
أما بالنسبة لبقية أطراف محور المقاومة خارج فلسطين "حزب الله وحركة أنصار الله والمقاومة العراقية " فقد تفوقت على نفسها قي عملياتها العسكرية ضد الكيان الصهيوني وضد السفن والقواعد الأمريكية ، خاصةً بعد عمليتي اغتيال القائدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر.
فحزب الله بات يسخن مرجل المقاومة ، ويضع الكيان الصهيوني على " ركبة وربع" -على حد تعبير سيد المقاومة حسن نصر الله- من خلال توجيه أسراباً من المسيرات القاتلة لمواقع العدو العسكرية والاستيطانية ، التي طالت مغتصبة نهاريا ومواقع عسكرية شمال عكا ومحيط حيفا ، استعداداً لعملياته الكبرى رداً على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر واغتيال القائد هنية .
وشاهدنا يوم أمس وزير الحرب الصهيوني " يو آف غالانت " ، يتراجع عن تهديداته باجتياح جنوب لبنان حتى نهر الليطاني ، ويحذر من مغبة الدخول في حرب برية مع حزب الله باعتبارها مغامرة غير محسوبة ، وقرأنا ما كتبته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية بشأن الترسانة العسكرية لدى المقاومة الإسلامية في لبنان بقولها " " يمتلك حزب الله ما يقرب من نصف مليون سلاح ، ما يعادل نسخة زهيدة من "الردع النووي" ، في إشارة منها إلى المسيرات على اختلاف أنواعها ، وقذائف المدفعية وصواريخ الكاتيوشا والصواريخ المضادة للدبابات وآلاف الصواريخ الأطول مدى إلخ .
والمقاومة العراقية هي الأخرى واصلت ضرباتها للكيان الصهيوني ، وعادت إلى سيرتها الأولى في ضرب القواعد الأمريكية في العراق وسورية ، من خلال استهدافها قاعدة " عين الأسد" في العراق و"قاعدة الخراب" في سورية بالصواريخ الدقيقة ، كل ذلك في إطار عملية التسخين للضربات الكبرى القادمة للعدو الصهيو أميركي .
أما حركة أنصار الله اليمنية ، فقد تفوقت على نفسها في عملياتها العسكرية المتواصلة ضد الكيان الصهيوني ، وفي استهداف جميع السفن المتوجة لموانئ الكيان ، وفي استهدافها غير المسبوق عالمياً للسفن الحربية الأمريكية ، منذ الحرب العالمية الثانية ، ونذكر هنا ما جاء على لسان رئيس اللجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، الجمهوري "مايك والتز" وما جاء وما جاء في صحيفة " بوليتيكو" الأمريكية ، بأنّ الولايات المتحدة "تحرق عشرات المليارات من الدولارات من أجل" محاربة اليمنيين " عبر استهدافها مسيرات يمنية تكلف بضعة دولارات ،بصواريخ يتراوح ثمن الصاروخ الواحد من (2-4) مليون دولار ناهيك أن السفن الحربية الأمريكية في معظمها ،غادرت بحر الصين الجنوبي وباتت تعسكر في بحر العرب والبحر الأحمر ، في مواجهة تهديد حركة أنصار الله التي جعلت من اليمن قوة إقليمية كبرى.